حوار الشعراء بين النابغة، الخنساء و حسان بن ثابت

 


كان نابغة بني ذبيان حَكمًا في الشعر، وكانت تُضرب له قبّة من أدَم أي من جلد، بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء؛ فدخل إليه حسّان بن ثابت وعنده الأعشى، وكان قد أنشد الأعشى شعره.

ثم حضرت الخنساء، فأنشدته قصيدتها التى مطلعها :
" قَذىً بِعَينِكِ أَم بِالعَينِ عُوّارُ ...
أَم ذَرَّفَت إِذ خَلَت مِن أَهلِها الدارُ "

حتى انتهت إلى قولها: 
وَإِنَّ صَخرًا لَتَأتَمَّ الهُداةُ بِـهِ ...
كَأَنَّهُ عَلَــمٌ فـي رَأســِهِ نــارُ
وَإِنَّ صَخرًا لَمولاِنا وَسَيِّدُنا ...
وَإِنَّ صَخرًا إِذا نَشتو لَنَحّارُ

قال النابغة: لولا أن أبا بصيرٍ (يقصد الأعشى) أنشدني قبلك لقلت: إنك أشعر الناس، أنت والله أشعر من كل أنثى ( أي أشعر النساء ) !!
قالت الخنساء: ومن كل الرجال.

فقال حسان: أنا والله أشعر منك ومنها.
قال: حيث تقول ماذا؟
قال: حيث أقول:
 
لَنا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلمَعنَ بِالضُحى ...
وَأَسيافُنا يَقطُرنَ مِن نَجـدَةٍ دَما
وَلَدنا بَني العَنقاءِ وَابني مُحَـــرِّقٍ ...
فَأَكرِم بِنا خالاً وَأَكرِم بِنا اِبنَما

معنى البيتين أن حسان يفخر بقومه اليمانيين وكرمهم، وأن لهم جفانًا ضخمة- أي أوعية ضخمة للطعام، تُنصب فى الضحى ليأكل منها الناس، وفى نفس الوقت فهم شجعان وأسيافهم تقطر دمًا من كثرة نجدتهم للناس.

ثم يفخر بأنهم أهل لهذين الحيين (بني العنقاء) و (ابني محرق) فأكرم بنا نحن الأخوال، وأكرِم بالأبناء!

وكلمة (ابنما) تعنى ابن، ويجوز زيادة (ما) فيها .

قال النابغة:

إنك لشاعر لولا أنك قللت عدد جفانك، وفخرت بمن ولدت، ولم تفخر بمن ولدك.

وفي رواية أخرى: فقال له: إنك قلت- "الجفنات"، فقللت العدد، ولو قلت "الجفان" لكان أكثر.
وقلت- "يلمعن في الضحى" ولو قلت- "يَبرُقن بالدجى" لكان أبلغ في المديح، لأن الضيف بالليل أكثر طروقًا.

وقلت- "يقطرن من نجدة دمًا" فدللت على قلة القتل، ولو قلت "يجرين" لكان أكثر لانصباب الدم. وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك. فقام حسان منكسرًا منقطعًا".

كما نقَـده فى معنى من المعاني، وهو أنه فخر بأبنائه ولم يفخر بآبائه، والعادة عند العرب أن يفخر المرء بآبائه، ويدع لأولاده الفخر به.

أرشيف المدونة

نموذج الاتصال

إرسال