حماد الراوية والخليفة يزيد
قال حماد الراوية: كنت محبًّا للوليد بن عبد الملك، فلما ولي أخوه يزيد الخلافة هربت إلى الكوفة، فبينما أنا في المسجد الأعظم إذ أتاني رسول محمد بن يوسف الثقفي، وقال: أجب الأمير، فدخلت عليه، فقال: ورد كتاب أمير المؤمنين عليَّ يحملك إليه، وبالباب نجيبان فركب أحدهما ودفع إليَّ كيسًا فيه ألف دينار، وقال: هذه نفقة لمنزلك، فدخلت دمشق في اليوم الثامن واستأذن لي الرسول فدخلت عليه فإذا هو جالس في دار مبلطة بالرخام الأحمر وفيها سرادق وسط قبة حمراء، وعلى رأسه جاريتان بثياب حمراء بيد إحداهما إبريق وبيد الأخرى نبيذ، فلما قابلته قال لي: ادنُ يا حماد، أتدري فيم بعثت إليك؟ قلت: لا، يا أمير المؤمنين، قال: في بيت شعر ذهب عني أوله، قلت: من أي بحر أو قافية؟ قال: لا أدري إلا أنه بيت فيه (إبريق)، فقلت في نفسي: الآن وقت إجهاد الفكرة، ففكرت ساعة ثم قلت: نعم، يا أمير المؤمنين، لعلهُ قول التبع اليماني:
بكر العاذلون في وضح الصبح
يقولون لي: أما تستفيقُ
ويلومون فيك يا بن عبيد الله
والقلب عنكم مرهوقُ
لست أدري إذا كثر العذل فيها
أعدو يلومني أو صديقُ
ودعوا بالصبوح يومًا فجاءت
قينة في يمينها إبريقُ
فصاح يزيد وقال: هو والله الشعر بعينه وشرب، وقال: يا جارية اسقيه، فسقتني كأسًا أذهب ثلث عقلي، فقال: سل حاجتك قبل أن يذهب الثلث الآخر، فقلت: إحدى هاتين الجاريتين، فقال: هما لك بمالهما وما عليهما ومائة ألف تحسن بها سيرك، ثم ناولتني الجارية كأسًا فشربتها وانصرفت على أحسن حال.