أَرى أمَّ صخرٍ لَا تمَلُّ عيادتي ... ومَلَّتْ سُلَيمى مَضْجَعي ومَكانِي

 


غزا صَخْر بن عمرو الشريد أخو الخنساء بني أسد بن خُزَيْمَة، فَأَصَاب غَنَائِم وسبيًا، وأصابته يَوْمئِذٍ طعنة طعنهُ بهَا رجل يُقَال لَهُ ربيعَة بن ثَوْر، ويكنى أَبَا ثَوْر، فَأدْخل جَوْفه حلقًا من الدِّرْع، فاندمل عَلَيْهِ حَتَّى شقّ عَلَيْهِ بعد سِنِين، وَكَانَ ذَلِك سَبَب مَوته.
رُوي أَن صخرًا مرض من تلك الطعنة قَرِيبًا من حَول حَتى ملّه أَهله، فَسمع صخرًا امْرَأَة تسْأَل امْرَأَته: كَيفَ بعلك؟
فَقَالَت: لَا حيٌ فيرجى، وَلَا ميت فيُنعى! (وفي رواية أخرى- فيُسلى، وفي أخرى: فيُنسى)، وَقد لَقينَا مِنْهُ الْأَمريْنِ، فَقَالَ صَخْر فِي ذَلِك:

أرَى أُمَّ صَخرٍ لا تَمَلُّ عِيادتي ... ومَلَّت سُليمَى مَضجعي ومكاني
فأيُّ امرئ ساوَى بِأمٍّ حليلةً ... فلا عاش إلَّا في شقىً وهوانِ
وما كنتُ أخشى أن أكونَ جِنازةً
... عليكِ ومَن يُغتَرُّ بالحدَثَانِ
لعمري لقد نبهتِ من كان نائماً
... وأسمعتِ من كانت له أُذُنانِ
أهُمُّ بأمر الحَزم لو أستطيعُهُ
... وقد حِيلَ بين العَير والنَزَوانِ
فللموتُ خَيرٌ من حياةٍ كأَنّها
... مَحَلّةُ يَعسوبٍ براس سنانِ
وحيٍّ حريدٍ قد صبَحتُ بغارةٍ
... كَرِجلِ الجرادِ أو دَباً كَتِفَانِ
فلو أَنَّ حيّاً فائت الموتِ فاتهُ
... أخُو الحربِ فوقَ القارح العَدَوانِ
 
فَلمَا طَال عَلَيْهِ الْبلَاء وَقد نتأت قِطْعَة مثل الْيَد فِي جنبه من مَوضِع الطعنة فتدلت وَاسْتَرْخَتْ قَالُوا لَه: لَو قطعتها لرجونا أَن تَبرأ، فَقَالَ شَأْنكُمْ وَهِي! فأشفق عَلَيْهِ بَعضهم، فنهاهم، فَأبى صَخْر، وَقَالَ:الْمَوْت أَهْون على مِمَّا أَنا فِيهِ، فأحموا لَه شفرة، ثمَّ قطعوها، فيئس من نَفسه ثم لم يلبث أن مات.
  • و في رواية أخرى
    أنه لما طعن ودخلت حلق الدرع في جوفه ضجر منها زمانًا، ثم ملته امرأته وكان يكرمها ويعينها على أهله، فمر بها رجل وهي قائمة، وكانت ذات كَـفَل وأوراك، فقال لها: أيباع هذا الكفَل؟ فقالت: عما قليل، وصخر يسمع ذلك، فقال: لئن استطعت لأقدمنك أمامي، ثم قال لها: ناوليني السيف أنظر هل تقلّه يدي، فدفعته إليه فإذا هو لا يقله، فعندها أنشد الأبيات السابقة، ثم لم يلبث أن مات.

أرشيف المدونة

نموذج الاتصال

إرسال