موت الفرزدق و رثاء جرير له


الفرزدق وجرير من شعراء العصر الأموى ، وكان بينهما صداقة قوية إلا أنهما كانا يتناحران فى الشعر، وكان يهجو كلا منهما الآخر و بعد مسيرةٍ طويلة مليئة بالهجاء والصراع الشعري، انتهى صراع جرير والفرزدق بعدما توفي الأخير في البصرة عن عمر ناهز الثمانين عاماً. ولما بلغ جرير موت الفرزدق، قال:
مات الفرزدقُ بعدما جدّعتُه ... ليت الفرزدق كان عاش قليلاً
ثم سكت طويلاً وبدأ يبكي بكاءً شديداً، فقال له قوم: "أتبكي على رجلٍ يهجوك وتهجوه منذ 40 سنة؟"، فقال الشاعر جرير: "إليكم عنّي، فواللهِ ما تبارى رجلان وتناطح كبشان، فمات أحدهما، إلا وتبعه الآخر عن قريب". 

ثم أنشأ يقول مرثياً إياه:

لَعَمري لَقَد أَشجى تَميماً وَهَدَّها ... عَلى نَكَباتِ الدَهرِ مَوتُ الفَرَزدَقِ
عَشِيَّةَ راحوا لِلفِراقِ بِنَعشِهِ
... إِلى جَدَثٍ في هُوَّةِ الأَرضِ مُعمَقِ
لَقَد غادَروا في اللَحدِ مَن كانَ يَنتَمي
... إِلى كُلِّ نَجمٍ في السَماءِ مُحَلِّقِ
ثَوى حامِلُ الأَثقالِ عَن كُلِّ مُغرَمٍ
... وَدامِغُ شَيطانِ الغَشومِ السَمَلَّقِ
عِمادُ تَميمٍ كُلِّها وَلِسانُها
... وَناطِقُها البَذّاخُ في كُلِّ مَنطِقِ
فَمَن لِذَوي الأَرحامِ بَعدَ اِبنِ غالِبٍ
... لِجارٍ وَعانٍ في السَلاسِلِ موثَقِ
وَمَن لِيَتيمٍ بَعدَ مَوتِ اِبنِ غالِبٍ
... وَأُمِّ عِيالٍ ساغِبينَ وَدَردَقِ
وَمَن يُطلِقُ الأَسرى وَمَن يَحقُنُ الدِما
... يَداهُ وَيَشفي صَدرَ حَرّانَ مُحنَقِ
وَكَم مِن دَمٍ غالٍ تَحَمَّلَ ثِقلَهُ
... وَكانَ حَمولاً في وَفاءٍ وَمَصدَقِ
وَكَم حِصنِ جَبّارٍ هُمامٍ وَسوقَةٍ
... إِذا ما أَتى أَبوابَهُ لَم تُغَلَّقِ
تَفَتَّحُ أَبوابُ المُلوكِ لِوَجهِهِ
... بِغَيرِ حِجابٍ دونَهُ أَو تَمَلُّقِ
لِتَبكِ عَلَيهِ الإِنسُ وَالجِنُّ إِذ ثَوى
... فَتى مُضَرٍ في كُلِّ غَربٍ وَمَشرِقِ
فَتىً عاشَ يَبني المَجدَ تِسعينَ حِجَّةً
... وَكانَ إِلى الخَيراتِ وَالمَجدِ يَرتَقي
فَما ماتَ حَتّى لَم يُخَلِّف وَرائَهُ
... بِحَيَّةِ وادٍ صَولَةٍ غَيرَ مُصعَقِ

كان حدس الشاعر جرير في مكانه، فقد توفي بعد عامٍ واحد فقط من موت الفرزدق، ليبقى اسماهما مقترنين مع بعضهما حتى يومنا هذا. والحق يُقال، لعلّ أجمل قصائد جرير كانت تلك التي كتبها في رثاء عدوّه اللدود الفرزدق.بل تعتبر تلك الأبيات التى نظمها من أروع ما قيل فى شعر الرثاء.

أرشيف المدونة

نموذج الاتصال

إرسال