شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... ابن الجامع والجارية والرشيد
قال ابن جامع: انتقلت من مكة إلى المدينة لشدة لحقتني فأصبحت يومًا وما أملك إلا ثلاثة دراهم في كمي، فإذا بجارية على كتفها جرة تسعى بين يدي وتترنم بصوت شجي وتقول:
شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا
وذاك لأن النوم يغشي عيونهم ... سراعًا ولا يغشي لنا النوم أعينا
إذا ما دنا الليل المضر بذي الهوى ... جزعنا وهم يستبشرون إذا دنا
فلو أنهم كانوا يلاقون مثلما ... نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا
وذاك لأن النوم يغشي عيونهم ... سراعًا ولا يغشي لنا النوم أعينا
إذا ما دنا الليل المضر بذي الهوى ... جزعنا وهم يستبشرون إذا دنا
فلو أنهم كانوا يلاقون مثلما ... نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا
قال: فأخذ الغناء بقلبي ولم يدر لي منه حرف، فقلت: يا جارية ما أدري أوجهك أحسن أم غناؤك، فلو شئت أعدت، قالت: حبًّا وكرامة، ثم أسندت ظهرها إلى جدار وانبعثت تغنيه، فما دار لي منه حرفٌ فقلت لها: لو تفضلت مرة أخرى، فارتدت إلى الوراء وقالت: أليس عجيب أن أحدكم يجيء إلى الجارية عليها الضريبة فيشغلها، فضربت يدي إلى الدراهم الثلاثة فدفعتها إليها فأخذتها وقالت: تريد مني صوتًا أحسبك تأخذ به ألف دينار وألف دينار وألف دينار ثم غنت ففهمته، ثم سافرت إلى بغداد فآل الأمر إلى أن غنيت الرشيد بهذا الصوت فرمى لي بثلاثة أكياس، فتبسمت فقال: مم تبسمت؟ فأخبرته خبر الجارية فعجب من إصابتها.